![]() |
صلاح الدين بن محمدن |
هي تلك الطبقية المقيتة التي دفعت بمجتمعنا إلى أن يصبح اليوم قنبلة موقوتة.
هو ذلك التراتب الفئوي الذي رفع أقواما و وضع آخرين انطلاقا من أعراف اجتماعية تستعمر الفكر الشعبي.
ولو كان ذلك الإستعمار الفكري اقتصر على تلميع البعض وجهَه لكان الأمر أهون مما هو عليه ولكنه تجاوز تزكية النفس إلى الإحتقار و التقليل من شأن الآخرين متخذا أساسه من معتقدات ثقافية محلية تغذيها أساطير و قصص خرافية مفبركة من قِبل أشخاص يسعون إلى الخفض من قيمة كل من يرون في تفكيره ما يوحي بإمكانية تفوقه عليهم في المجال الوحيد الذي يتقنونه حتى يتمكنوا من المحافظة على المنصب الإجتماعي الرفيع الوهمي الذي يحصلون من خلاله على مآربهم , لأنهم يرون أن استقرار السيادة الإجتماعية يستدعي دهس كرامة الآخر و النيل من عرضه حتى لا تقوم له قيامة.
فلو أنني كامْعَلَّم نجوتُ من توبيخ هؤلاء لي و إلصاقهم الذم بي و تشويه صورتي في أذهان الأجيال لكنت أنا المسؤول عن وضعي الإجتماعي الحالي , و لكن هيهـــات , لقد بادروا بقتلي في جلدي و زرع الخمول و احتقار الذات في نفسي و إقناع الآخرين بمدى تفاهتي و دناءة أصلي , و وسيلة ذلك عندهم بسيطة جدا فهي لا تحتاج إلا إلى أطفال و نساء , في سَمَر أما الخباء , بُعيد مائدة العشاء , حيث النفوس تشرئب إلى الترفيه فيستجيب لها الجَدُّ بسرد حكايات كوميدية عن الأسطورة الشعبية "الْبَارْدِي" و ينسِبُه إلى فئة لَمْعَلّْمِين , فتضحك النفوس و تمرح و تنام في هناء على صورة مهرج دنيء يحمل اسم "امْعَلّم" و غدا ستنتشر تلك الحكايات فيزداد لَمْعَلّمِين دونية و يزداد الآخر رفعة و تألقا , في زمن لم يكن للَمْعَلّم فيه بدٌّ من تقبُّل مكانته إذ أن القلَّة ضعف و في القبيلة كلها لا تجد من لَمْعَلّمِين سوى خيمة أو اثنتين تعيشان على ما يجود به خيام السادة و الأشراف الذين ورثوا سيادتهم و شرفهم كابرا عن كابر كما تقول الأسطورة , و بالمقابل لا تُصدر خيمة لَمْعَلّمِين سوى إبداع فكري جسَّدتْه أنامل شخص ذكي.
إنه انقلاب المفاهيم الذي بعث لَمْعَلّمِين من مرقدهم . فلو كان هنالك تطبيق كلي لتعاليم ديننا الحنيف الذي يُحرِّم الوقوع في أعراض المسلمين (كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه) , و لو كانت هنالك عدالة اجتماعية محضة تجَرم السخرية و الإستعباد بنوعيه الجسدي و الفكري , و لو لم تكن هنالك حرب صامتة تمارس على الفئات المستضعفة لقتل روح الهمة و الطموح في أبنائها , لما تطايرت في مجتمعنا هذه الأيام شرارة الفتنة التي لعن الله من أيقظها , إلا أن إيقاظها سيكون أمرا ضروريا إذاما ظلت نائمة على مكان غير مستوٍ , فكل ما بُني على باطل فهو باطل , و يجب أن تستبين الأمور و يسلم كل من لسان الآخر و يده و يجد كل ذي حق حقه , و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
و لكن إيقاظ الفتنة قد يوجد عنه بديل و هو قتلها في مكان نومها , و ذلك بإلإنصاف و الإنصات للمظلوم و تكريس العدالة و التأمين الإجتماعيين.
و لا شك أننا لسنا مستعدين لأن نصير ارْوَانْدَا أو ليبيا أخرى , بيد أن تغيير المسار الإجتماعي و إعادة تشكيل الهيكلة الطبقية أو تذويبها بالكامل بات مسألة شبه ضرورية للحفاظ على الإستقرار.
0 التعليقات:
إرسال تعليق