![]() |
محمد ولد محفوظ |
من نافلة القول إنهم ـ والحال كذلك ـ من المستحيل أن يتطاولوا على المقام الشريف لرسول الله، فهو أعظم البشرية وهو نبي الأمة، هو الرحمة المهداة، هو واضع أسس العدل، ومحقّق مجتمع الحرية والمساواة، هو مقيم الحضارة التي أضاءت أنوارها مشارق الأرض ومغاربها، حضارة اجتمع فيها العربي بالفارسي والرومي بالحبشي والتركي بالهندي فوجد فيها كلّ نفسه وحقّق مرامه وقامت لهم جميعا مقام رابطة نسبية. إن من يريد حقا أن يتحمّل همّ "لمعلمين" ويدافع عن معاناتهم، عليه أن يتشبّث برسول الله ويعضّ بالنواجذ على منهج الإسلام ويسعى إلى تعلّمه ونشره ففي ذلك العروة الوثقى وفيه حبل النجاة، فتحت ظلال شريعة الإسلام أعيدت إلى الضعفاء والمظلومين والمهمشين حقوقهم البشرية كاملة، بل وتسنّموا أسنى المراتب، فكانوا روادا وقادة ودعاة إلى شريعة سمحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك، بل كانوا من صحابة رسول الله الأجلاء، وكفى به مقاما. ومن المؤكّد أنّه لو أخذ الناس بتعاليم الإسلام وخضعوا لتوجيهاته لما عانى "لمعلمين" ولا عانى غيرهم من مثل هذه الأمراض الاجتماعية البائسة التي تنخر جسم مجتمعنا، لكنّ الابتعاد عن روح الإسلام والتعلّق بالعصبية الجاهلية وثقافة استعلاء البعض واحتقار الآخر هي التي أوصلتنا إلى هذا المستنقع الآسن، من هنا بات من اللازم علينا اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن نضع أيدينا في بعضها البعض ونعود عودة حقيقية إلى الإسلام للتحصن به أولا، وللدفاع عنه ثم لتوفير مقومات الانطلاق السليم نحو المستقبل الواعد. وفي انتظار ذلك لا يسع "لمعلمين" اليوم في ربوع هذه البلاد بمناسبة المقال المسيء إلا أن يقولوا بلسان واحد إنّهم لا يطيقون الإساءة إلى رسول الله، تحت أي ذريعة وممن صدرت ومهما كانت غايتها، فنحن جميعا فداك يا رسول الله بأنفسنا وآبائنا وأبنائنا وبجميع ما نملك. وأنت يا كاتب المقال المسيء إلى جناب رسول الله، إضافة إلى جرمك الذي تجاوزت فيه الحدود من خلال ما سطّرته يدك المشلولة، فقد أسأت إلى قضية "لمعلمين" من حيث أردت جهلا أن تحسن إليها، ولكنّها بإذن الله إساءة لن تؤثّر على المسعى المشروع والمسار الجاد لكل المخلصين المناضلين المسلمين من أبناء هذه الشريحة، ومن غيرهم، لأنّ قطار الكرامة البشرية قد انطلق في هذه الربوع، وهيهات أن يعود أدراجه إلاّ وقد أعيدت كلّ الحقوق المسلوبة إلى أصحابها وحينئذ سيرتفع الظلم عن كل المظلومين، وفي مقدّمتهم "لمعلمين"، وإنّي لأشكّ في نيتك إزاء هذه الشريحة، من حيث أنّك أقحمت عبارة "لمعلمين" في جدلية شائكة بين الدين والتدين، ومن المعلوم أنّ هذه الجدلية بكلّ ما تحمل من إشكالات وشدّ وجذب تعني سائر المسلمين بما في ذلك "لمعلمين"، ولكنّ الأمر الغريب أن تطرح هذا الإشكال العريض ثم تنصرف عن مناقشته لتتطاول على خير البرية، ثمّ إنّك حين ركّبت العنوان بهذه الطريقة الفجّة بدا كلامك خاليا تماما من أيّ منطق مقبول تربط فيه بين مكوّنات العنوان، حيث أسأت إلى الدين، وأهملت التدين، ولم تبيّن علاقة "لمعلمين" بالموضوع، فبقيت العبارة مجرّد كلمة عابرة ذكرت في العنوان وغابت تماما عن العرض، وعلى هذا الأساس فإنّ كلّ ما أوردته في المقال لا علاقة له من قريب و لا من بعيد ب"لمعلمين" وقضيتهم، وإنّما هو حلقة من حلقات حملات التشكيك والإساءة التي ما فتىء الأشرار يطالعوننا بها خارجيا وداخليا وهي تستهدف ديننا الحنيف ونبينا الكريم، ولكن هيهات أن تحقّق لهم أهدافهم الشريرة. وإنّي لأسائلك وأنت تدّعي دفاعك عن هذه الشريحة: متى بدأت معاناة شريحة "لمعلمين" ومن المسؤول عنها، وما علاقتها بمنهج الإسلام وشخص النبي صلى الله عليه وسلم، إنّ مشكلتنا ـ معشر لمعلمين ـ ليست مع الإسلام ورسوله الكريم، فحاشا أن يظلم الإسلام أحدا، أو أن لا يعدل رسوله الكريم بين الناس وهو أعدل العادلين، إنّ مشكلة "لمعلمين" هي مشكلة محلية مع هذا المجتمع وهذه الدولة وبعض هؤلاء وأولئك الفقهاء، فالمجتمع هو الذي ألصق بهم النعوت البذيئة، والدولة هي التي تركتهم في سلة المهملات، وبعض الفقهاء ـ أو من يدّعون ذلك ـ هم الذين حرّفوا الدين بشأنهم وشوّهوا الإسلام وكذبوا على رسول الله في حقّهم من خلال أحاديثهم المزيّفة ونرجسيتهم الهستيرية، والبعض الآخر منهم، وإن لم يفعل ذلك فقد سكت على واقعهم بشكل سافر ـ بقصد أو بغير قصد ـ في عجز واضح منه على ما يبدو عن تبليغ الرسالة الاجتماعية للدين، وما تزخر به من قيم العدل والإخاء والمساواة بين الناس، فبدا الدين عند بعض السفهاء وضعاف النفوس من أبناء هذه الشريحة ـ وأنت منهم يا كاتب المقال ما في ذلك شك ـ كما لو أنه هو الذي ظلم "لمعلمين"، والدين بريء من ذلك براءة الذئب من دم ابن يعقوب، بينما الحقيقة أن إساءات المجتمع والدولة وبعض الفقهاء هي المسؤولة عن محنتهم الماضية والحالية.
المصدر
0 التعليقات:
إرسال تعليق