الأحد، 12 يناير 2014

الصحراء في مقابلة شاملة مع ولد السالم القيادي في حراك "لمعلمين"


أجرى موقع الصحراء التابع لمركز الصحراء للدراسات والاستشارات مقابلة شاملة مع الأستاذ أحمد ولد السالم رئيس مبادرة "إنصاف" والقيادي في حراك "لمعلمين" الأخير، حيث تعرضت المقابلة لمختلف جوانب هذا الحراك وأفقه في المستقبلين القريب والمتوسط.

وقدم ولد السالم خلال المقابلة خلاصة عن حراكهم الذي لا زال في سنواته الأولى، معرفا القراء الكرام بمبادرته ومكانتها ضمن الطيف السياسي للبلاد ومطامحهم في المستقبل من خلال تأسيس المبادرة.
المقابلة تأتي ضمن اهتمام مركز الصحراء للدراسات والاستشارات بأطراف المشهد السياسي الوطني الذين سبق وأن أجرى مقابلات مع مختلف قادتهم ولا زال سيكمل مشواره عبر إطلالات لاحقة مع أوجه سياسية واقتصادية وإعلامية جديدة.
نص المقابلة:
مركز الصحراء: أحمد ولد السالم؛ كيف تقدمون نفسكم للقارئ للكريم؟
الأستاذ أحمد ولد السالم:
بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية أود أن أتوجه بالشكر والتقدير والامتنان لمركزكم والقائمين عليه لإتاحة هذه الفرصة لأتحدث إلى جمهور قرائكم الكرام؛ حيث إن هذه هي أول مقابلة صحفية يجريها معي أي موقع إخباري وطني..
وإجابة على سؤالكم فأنا أحمد ولد محمد الأمين ولد السالم ولد اشنيظره من مواليد عام 1969 في مقاطعة باركيول، التي فيها ولدت وفيها درست المرحلة الابتدائية لأكمل لاحقا تعليمي الإعدادي والثانوي بين كيفه وكيهيدي وانواكشوط ثم أكملت المرحلة الجامعية بجامعة نواكشوط التي تخرجت منها عام 1994م بشهادة المتريز، وقد بذلت مجهودا كبيرا للظفر بالمركز الأول؛ حيث إن الجامعة كانت تمنح صاحب المركز الأول لإكمال السلك الثالث، لكني جهودي اصطدمت في آخر لحظة بفساد جامعة نواكشوط حيث كان المركز الأول من نصيب شخص آخر -كان خارج السباق- لقرابته بأحد عمداء الجامعة.
بعد ذلك بأشهر قليلة شاركت في مسابقة لضباط الحرس الوطني لاكتتاب عشرة ضباط وبعد طول انتظار لنتائج المسابقة تم استبعادي ومجموعة من الذين لا حول لهم ولا قوة مثلي، ما جعلني أصاب بخيبة أمل شديدة خاصة أني كنت طالبا مميزا للغاية؛ فقد احتفظت بصدارة قسمي طيلة المرحلة الابتدائية التي اختزلتها في أربع سنوات فقط متخطيا للسنتين الرابعة والخامسة إلى السنة السادسة مباشرة، حيث ترشحت لشهادة "الكنكور" ونجحت في نفس السنة، وفي إعدادية كيهيدي حصلت على أعلى معدل عام في قسمي خلال السنة الثانية إعدادية وفي السنة الثالثة إعدادية وتحديدا في إعدادية السبخة بالعاصمة حصلت على أعلى معدل عام على مستوى إعدادية السبخة عامة، حيث منحني سفير جمهورية العراق في نواكشوط يومئذ جائزة قيمة.
alt لم تكن ظروف العائلة المادية الصعبة تسمح لي بإتمامي دراستي العليا فبدأت أفكر في طريقة تساعدني في الحصول على مصدر للعيش، إلى أن وقع بصري ذات صباح على إعلان في إحدى الصحف عن رغبة دولة الإمارات العربية المتحدة في اكتتاب 500 شرطي للعمل هناك، فشاركت في امتحان كتابي تقدم له يومئذ حوالي أربعة عشر ألف مترشح -كما سمعت- وكانت هناك شفافية واضحة بسبب إشراف الجانب الإماراتي على العملية؛ حيث حصلت على معدل: (20/17.25) في الامتحان الكتابي، ومن ثم تمكنت من اللحاق بصفوف شرطة ابوظبي التي خدمت فيها لمدة 16 سنة، ومنذ ثلاث سنوات عدت بشكل نهائي إلى الوطن حيث أقيم الآن وأمارس نشاطا تجاريا حرا.
لقد أردت أن أطلعكم وقراءكم الكرام على هذه السيرة الذاتية ليس من باب تضخيم الذات أو الافتخار؛ وإنما لأبين لكم ولقرائكم الكرام جانبا من الإقصاء والتهميش والظلم الواقع على أبناء وبنات هذه الشريحة من مجتمعنا وقتل روح التفوق والإبداع فيها؛ ومن ثم تستطيعون تفهم أسباب ودواعي إنشاء منظمة "إنصاف".

مركز الصحراء: هل من تعريف لمبادرة "إنصاف" ودواعي تأسيسها؟
الأستاذ أحمد ولد السالم: منظمة "إنصاف" منظمة حقوقية، نهدف من وراء إنشائها إلى إنصاف أي مظلوم من أبناء شعبنا بشكل عام بغض النظر عن عرقه أو لون بشرته أو انتمائه السياسي، لكن تركيزها سينصب على شريحة "لمعلمين" باعتبار أن معظم أعضائها هم من هذه الشريحة من جهة، وباعتبار أيضا أن هناك عدة منظمات حقوقية تعنى بالدافع عن بقية الشرائح المظلومة والمهمشة الأخرى، وخطاب منظمة "إنصاف" هو خطاب معتدل عقلاني يخاطب العقول والضمائر الحية من أبناء شعبنا بأسلوب بسيط وهادف، وهي بذلك المعنى لم تُنشأ بدافع ثأري؛ وإنما من أجل رد الاعتبار لكل مهمش حتى ينال حقوقه التي تكفلها له مواطَنَته ودستوره الذي صوت عليه.
أما بالنسبة للشق الثاني من سؤالكم عن دواعي تأسيس هذه المنظمة؛ فإن دواعي إنشائها واضحة من خلال اسم المنظمة نفسها؛ أي من أجل تحقيق الحد الأدنى من "الإنصاف" وعبارة "إنصاف" عبارة جامعة، فنحن نريد إنصافا دينيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وحتى تاريخيا –إذا صح التعبير– حيث إن شريحة "لمعلمين" لحق بها أيضا ظلم تاريخي فادح؛ فحين تقرأ كتاب التاريخ لكافة مراحل التعليم لا تجد لهذه الشريحة الذكية والمبدعة ذكرا على الإطلاق، مع أن أبناءها كانوا هم المهندسين الذين وضعوا كافة تصاميم المتطلبات الحياتية للمجتمع الموريتاني القديم، وهم من قام بالتنفيذ أيضا!
انظر مثلا إلى كافة مكونات الخيمة الموريتانية القديمة؛ فكل محتوياتها هي من صناعة أبناء وبنات هذه الشريحة -وبدون أي منازع- كذلك انظر إلى المنمي والمزارع والصياد كلهم كانوا يعتمدون على الصانع التقليدي الموريتاني، وكذلك الحال بالنسبة إلى الفنان الموريتاني "إيكيو" من كان يصنع له آلاته الموسيقية؟ وشيخ المحظرة أيضا من كان يصنع لطلابه الألواح والدواة والقلم وأغلفة الكتب؟ كذلك المحارب من كان يصنع له السلاح والذخيرة والسروج وألجِمة الخيل غير الصانع التقليدي الموريتاني؟
إنكم لو سألتم أي مواطن موريتاني في شرق البلاد وغربها سواء أكان شابا أو شابة شيخا أو عجوزا عمن كان يصنع للموريتاني حاجاته اليومية -قبل الثورة الصناعية وقبل الاستقلال الوطني ونشــــوء الدولة الموريتانية الحديثة وبناء الموانئ والمطارات وقبل التبادل التجاري مع العالم الخارجي- لكان الجواب واحدا: "إنهم لمعلمين"!!
حسنا، ألا يستحق هؤلاء أن يكون لهم ذكر في كتبنا المدرسية، خاصة مادة التاريخ لمرحلة التعليم الأساسي وغيرها من كتب التاريخ الأخرى لتذكير النشء بإسهاماتهم على سبيل الإشادة والتثمين؟ كيف ضاقت كتب التاريخ الموريتانية المليئة بكل ما هو غث وتافه عن استيعاب سطر أو سطرين يُذكر فيها جانب من إبداعات الصانع التقليدي الموريتاني وشقيقته الصانعة التقليدية الموريتانية؟
لقد كان لي الشرف أني أطلقت -غير نادم- الشرارة الأولى لهذا الحراك السلمي المبارك عام 2011 غداة توشيح رئيس الجمهورية الحالي محمد ولد عبد العزيز لرموز وطنية شملت كل ألوان الطيف الاجتماعي للمجتمع الموريتاني عدا شريحة "لمعلمين" وذلك بمناسبة مرور نصف قرن على الاستقلال الوطني، فشكل ذلك استفزازا غير مسبوق لمشاعري ومشاعر أبناء جلدتي، فكتبت مقالي الأول والشهير وقد كان تحت عنوان: (بعد أن تجاهلهم ولد عبد العزيز .. "لمعلمين" هل ينتفضون ضد الظلم؟) لقد كان ذلك المقال بمثابة الشرارة الأولى لما نشاهده اليوم من حراك مبارك تعددت ألوانه وراياته لكنه يصب جميعا في مصلحة هذه الشريحة ... ولقد كانت مفاجأتي كبيرة حين انهالت على بريدي الالكتروني الذي ذيلت به مقالي ذاك كمية كبيرة من رسائل الشكر والتقدير من مثقفين ومهنيين كلهم من أبناء وبنات هذه الشريحة وكأني قذفت بحجر ضخم في بحيرة راكدة.
 كيف لا يكون "للمعلم" الموريتاني ذكر في خمسينية الاستقلال الوطني؟ وهو الذي أحدث توازنا استراتيجيا لسلاح الغازي الفرنسي من خلال ابتكاره لنماذج من السلاح الفعال من قبيل: (بوفمين) و(الوروار) و(الفردي) و(الكشمي) وصنوف مؤثرة من البارود والذخيرة الحية استطاعت بفضلها المقاومة الوطنية إحداث إصابات مباشرة وموجعة في صفوف المستعمر الفرنسي. وهل كان لكبولاني أن يلقى حتفه صريعا على أديم هذه الأرض لولا عبقرية ذلك الصانع التقليدي الموريتاني الصبور الذي أبدعت أنامله ذلك السلاح وتلك الذخيرة؟ كيف لا نغضب وقد سلبنا نصرا نحن من صنعه .. وكيف نشطب من تاريخ بلد نحن من سطر أنصع صفحاته؟.
لقد شكل ذلك التجاهل الذي وقع فيه رئيس الجمهورية عن قصد أو عن غير قصد في ذكرى مجيدة لا تنسى أكبر خذلان لمكون عريق ومبدع وذكي انفرد دون غيره عن بقية الشرائح الأخرى بفضيلة الجمع بين تحصيل العلم بل والنبوغ فيه، وإتقان حرفة شريفة سبقه إليها أنبياء مرسلون .. إن هذه الشريحة لو قدر لها أنها كانت تنتمي لمجتمع غير المجتمع الموريتاني ودولة غير الدولة الموريتانية؛ لكان مكانها الصحيح ضمن طبقة النبلاء والأشراف ولرأيتم لرموزها نصبا تذكارية لا تحصى ولا تعد تتصدر أهم الميادين والساحات العامة.

مركز الصحراء: أين وصلت إجراءات تأسيس المبادرة؟ وهل من عراقيل واجهتكم؟
الأستاذ أحمد ولد السالم: المنظمة هي الآن في مراحل ترخيصها النهائية، وقد تحفظت وزارة الداخلية على بعض المواد والبنود والعبارات فتم حذفها وتعدليها لتتلاءم واشتراطات الوزارة وتم قبول التعديلات وننتظر الترخيص في أية لحظة.

مركز الصحراء: ما هي مطامح مؤسسي المبادرة في المستقبل القريب؟
الأستاذ أحمد ولد السالم: مطامحنا باختصار شديد تتلخص في تحقيق العدالة والإنصاف على كل الصُّعد، وإحداث ثورة حقيقية على العقليات البالية والخرافات المختلقة التي كبلت هذه الشريحة وهوت بها إلى قاع الهرم الاجتماعي ظلما وعدوانا.

مركز الصحراء: ما ملامح مشاركتكم في الانتخابات القادمة؟
الأستاذ أحمد ولد السالم: لقد نكأتم بهذا السؤال جرحا غائرا. هل تعلم أنه ومنذ الاستقلال وحتى تاريخ إجراء هذه المقابلة لم يكن هناك من أبناء هذه الشريحة سوى نائب واحد ووزير واحد هو الشيخ سيد أحمد ولد بابه وكان ذلك كله في حقبة ولد الطايع؟ الديمقراطية الموريتانية للأسف الشديد عملت على تكريس التراتبية الاجتماعية من خلال ترشيح الأحزاب الرئيسية لأبناء الأسر "الكبيرة" وأصحاب النفوذ والمتمولين من المال العام فحسب، أما "لمعلمين" ومن هم على شاكلتهم فلا مكان لهم في هذه اللعبة، والسبب غياب الإرادة السياسية للدولة وارتهان النخب لشيوخ القبائل وأصحاب رؤوس الأموال.
لقد أطلقنا مبادرة قبيل الانتخابات القادمة أسميناها "مبادرة معا من أجل مشاركة "لمعلمين"" وكتبنا رسائل إلى سبعة أحزاب رئيسية هي: الحرب الحاكم وحزب تواصل وحزب الوئام وحزب التحالف الشعبي وحزب الحراك الشبابي وحزبين آخرين لا أتذكر اسميهما، عرضنا على تلك الأحزاب إمكانية الانضمام إلى أحدها مقابل الحصول منه على مكاسب حزبية وانتخابية، لكن أيا من تلك الأحزاب لم يصلنا منها حتى هذه اللحظة أي رد سواء أكان ايجابيا أو سلبيا! باستثناء حزب الحراك الشبابي الذي انتهز هذه الفرصة لأقدم لرئيسته معالي وزيرة الثقافة السيد لاله بنت الشريف جزيل الشكر على سرعة تجاوبها مع كتابنا وعبارات الترحيب التي استقبلتنا بها، صحيح أن عرض حزبها الذي تقدم لنا به كان دون الطموح؛ لذلك لم يكن هناك أي اتفاق أو انضمام.
إن القراءة الأولية لخارطة الترشحات التي بدأت تظهر تباعا على الشبكة لا تبشر بخير، فهناك استبعاد متعمد وممنهج لهذا المكون من اللوائح الوطنية للأحزاب الرئيسية خاصة الحزب الحاكم الذي كانت هناك بعض الرهانات عليه. ونحن سنقيم خارطة الترشيحات للأحزاب الرئيسية، وربما سيكون هناك مؤتمر صحفي نفضح من خلاله ممارسات تلك الأحزاب، ونبين فيه أيضا الموفق النهائي من العملية برمتها.

مركز الصحراء: ما هو موقفكم من النظام الموريتاني الحالي؟ وهل أنتم أقرب إلى المعارضة أو الأغلبية؟
الأستاذ أحمد ولد السالم: موقفنا من النظام الحالي هو أنه نظام لا يختلف عن جميع الأنظمة السابقة التي عملت جاهدة على تغييب وتهميش هذه الشريحة، مع أن ولد عبد العزيز رفع شعارا براقا دغدغ مشاعر الفقراء والمستضعفين من أمثالنا، فقد أطلق على نفسه قبيل الانتخابات الرئاسية السابقة لقب رئيس الفقراء والمستضعفين؛ ما جعلنا نعلق عليه آمالا كبيرة بإحداث نقلة تاريخية لهذا المكون من شعبنا الذي عانى كثيرا، لكننا لم نلمس حتى الآن أي فرق بينه وبين الأنظمة البائدة، فلم يعين لحد الساعة أي عنصر من هذه الشريحة في إحدى الوظائف السامية، فمثلا : ليس هناك وزير واحد في الحكومة من "لمعلمين" وكذلك ليس هناك سفير واحد ضمن مئات السفراء والقناصلة الذين تم تعيينهم، ولا أمين عام واحد أو مستشار واحد برئاسة الجمهورية أو الوزارة الأولى .. ولا والي ولاية واحدة والقائمة الصفرية تطول وتطول ... رغم كثرة أصحاب الشهادات والكفاءات ممن يكون مصيرهم بعد التخرج الإقصاء والتهميش، في حين يحظى أقرانهم ومن هم أقل منهم تحصيلا علميا بالوظائف الهامة في الدولة، وكأننا نحن مواطنون من الدرجة العاشرة.
هل تعلم أن الذين تخرجوا معنا من الجامعة عام 1994 من غير شريحة "لمعلمين" هم الآن وزراء وموظفون سامون في الدولة؛ من أمثال: (المدير ولد بونا ورئيس مفوضية الأمن الغذائي الحالي والأخت الفاضلة البطريقه التي عينت وزيرة في زمن ولد الطايع وفاطمة بنت مشيل وغيرهم كثير) وأن الذين تخرجوا معي من نفس الدفعة من "لمعلمين" هم الآن ما بين من يعمل خياطا في السوق، أو من اضطر للسفر إلى دول إفريقية طلبا للرزق بعد أن استبد بهم اليأس وخاب ظنهم في وجود عدالة تنصفهم. إن لم نسم هذا بالإقصاء والتهميش فماذا نسميه؟
وبالنسبة للشق الثاني من سؤالكم؛ فأنا شخصيا لم أنضم حتى هذه اللحظة إلى أي حزب سياسي موريتاني على الإطلاق، وعليه فإني أقف على مسافة واحدة من المعارضة والأغلبية لأننا -حقيقة- لم نلمس أي فرق بين الفريقين فيما يخص مسألة إقصاء وتهميش شريحة "لمعلمين" لذلك كان عنوان مقالي السابق موجها للطرفين على حد سواء وقد كان تحت عنوان: (رسائل "لمعلمين" العاجلة جدا .. إلى المعارضة والنظام) لذلك لا أجدني أقرب إلى الموالاة مني إلى المعارضة والعكس صحيح حتى يظهر أحد الطرفين بالأفعال انحيازه لقضية "لمعلمين" العادلة.

مركز الصحراء: هل من مآخذ على تعاطي الأنظمة الموريتانية المتعاقبة مع فئة "لمعلمين"؟
الأستاذ أحمد ولد السالم: لقد اختلفت الأنظمة المتعاقبة على كل شيء تقريبا، واتفقت جميعها على مسألة واحدة؛ هي الإمعان في تهميش وإقصاء أبناء هذه الشريحة والتعامل معها باحتقار ودونية لا مثيل لها، وأذكركم وقراءكم الكرام مرة أخرى أنه ومنذ الاستقلال لم يتسلم حقيبة وزير من هذه الشريحة إلا شخص واحد هو الشيخ سيد أحمد ولد بابه الذي كان أيضا الوحيد الذي دخل البرلمان منذ مجلس الشعب وحتى اليوم ، والسبب في نظري يكمن في حرص هذه الأنظمة المتعاقبة وأذرعها من بعض رجالات الدين وبعض المثقفين على الحفاظ على تراتبية المجتمع الموريتاني القديم كما هي؛ بحيث يظل هناك أشراف يستحقون كل شيء وأجلاف لا يستحقون أي شيء!.

مركز الصحراء: ما هي آلياتكم لتوعية أنباء الفئة؟ وخصوصا المنخرطين في ورشات الصناعة بمختلف مناطق البلاد؟
الأستاذ أحمد ولد السالم: أنا شخصيا كان رهاني كبيرا في السابق على ما يسمى بالحراك الاجتماعي، وقدرة هذا الأخير على إذابة تلك الفوارق الشكلية التي لا وجود لها في منطق العقل أو من الناحية البيولوجية أو السوسيولوجية، وإنما هي مجرد أوهام و"فيتوهات" صنعها المخيال الشعبي في مرحلة من مراحل الضعف والجهل والتخلف، وكنت أحسب أن مصير تلك الأوهام إلى زوال؛ بحيث تذوب الفوارق الشكلية بين قومية البيظان، ويحدث الانصهار التام بين أفراد هذه القومية التي تجمعها كل مقومات الانصهار كالعرق واللغة واللهجة الحسانية والعادات والتقاليد والدين والعيش المشترك ... بدل اعتماد تقسيم الناس أو فرزهم على أساس الحرفة أو التخصص الذي زالت ضروراته الموضوعية منذ عقود من الزمن، لكن ذلك الرهان اصطدم بصخرة غياب الإرادة الحقيقية لدى صانع القرار والسلطة الدينية والنخب، بل على العكس من ذلك هناك ممارسات قامت بها الدولة وأجهزتها كان الهدف منها تدعيم تلك الفوارق و"الفيتوهات" وإطالة أمدها، ومن ثم كان لزاما علينا أن نكون واقعيين؛ بحيث نقرأ الواقع الماثل أمامنا قراءة تتسم بالجدية والواقعية، وأن نضع جانبا ما كنا نعتبره منذ سنوات قليلة حلما ورديا جميلا بعد أن أثبتت الأيام أنه مجرد وهم ومحض خيال.
لذلك وإجابة على سؤالكم نحن نعمل وبكل جهد على توعية أبناء هذه الشريحة بحقوقها، ونقدم لها الصورة الصحيحة والناصعة عن إسهاماتها العظيمة، وأن العمل شرف، وأن من يمتهن مهنة كان يمارسها الأنبياء صلوات الله عليهم لا يمكن أن يلصق به عار، وأن الصناعة التقليدية تحديدا هي في حد ذاتها تعتبر عملا فنيا رائعا، وتشكل رافدا ثقافيا مهما وعملا نبيلا في حد ذاته.

مركز الصحراء: هل من ملاحظات على رؤية المجتمع الموريتاني للفئة المعروفة بمصطلح "لمعلمين"؟
الأستاذ أحمد ولد السالم: هناك مفارقة عجيبة لطالما حيرتني كثيرا؛ وهي أن "لمعلمين" وبشهادة الجميع كانوا يصنعون للمجتمع كل شيء ينفعه في حياته وفي حله وترحاله؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس انفعهم للناس). وبالإضافة إلى ذلك فهم مسلمون ومسالمون بشهادة الجميع أيضا. والنبي صلى الله عليه وسلم عرف المسلم بقوله: (المسلم: من سلم المسلمون من لسانه ويده). لكن وفي المقابل كان الطرف الآخر والذي يدعي الخيرية المطلقة لا ينتج سوى الخرافات والمزاعم التي تسيء إلى هؤلاء، وتنعتهم بأسوأ النعوت دون رحمة أو مراعاة للجانب الديني والإنساني ... هذا ما يحيرني كثيرا؛ فما هو معيار الخير والشر عند مجتمع البيظان؟
لقد كانت قريش على جاهليتها أكثر نبلا وإنسانية من مجتمعنا المسلم للأسف الشديد؛ فقد تداعت إلى ما عرف في الجاهلية وقبل الإسلام ب"حلف الفضول" وكان الهدف منه نصرة المظلوم والذود عنه والضرب بيد من حديد على يد الظالم مهما كان، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمته المشهورة : «لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت» ومن المؤسف حقا أن المجتمع الموريتاني المسلم والمشهور بكثرة علمائه ومحاضره ومخطوطاته ومؤلفاته يقابل إحسان هذه الشريحة وإبداعاتها بهذا الكم من الصور النمطية المسيئة، ضاربا عرض الحائط بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي جاء لغرض حفظ الضرورات الخمسة: (الدين النفس العقل العرض والمال). وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وقوله صلى الله عليه وسلم: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم!!). فماذا بعد الحق إلا الضلال.

مركز الصحراء: ما مستوى تجاوب أبناء الفئة مع حراككم الأخير؟ وهل من تحفظ من طرف البعض؟
الأستاذ أحمد ولد السالم: هناك تجاوب كبير ليس فقط من قبل النخب والطبقة المتعلمة، وإنما أيضا من قبل أناس عاديين يعيشون في القرى والأرياف؛ ما يعنى أن الجميع يتألم حقيقة للحالة المزرية التي وصلت إليها هذه الشريحة التي استهدفت ظلما وجورا في عرضها وكرامتها وشرفها دون أن تكون قد ارتكبت أي جرم أو ذنب، ثم جاءت الدولة لتكرس ذلك الواقع بالممارسة الممنهجة للأسف الشديد.
أما عن التحفظات فلم أبلغ عن أي تحفظ من أحد، بل على العكس من ذلك؛ فالكل أعرب عن دعمه ومساندته لهذا الحراك السلمي المبارك، والهادف إلى الدفاع عن العرض والكرامة، علما بأننا نتبع في سبيل تحقيق تلك الأهداف النبيلة نهجا سلميا راقيا لا يتصادم مع أحد ولا يرد على الإساءة بمثلها، مع أن لصاحب الحق مقال، وقد قال تعالى في محكم كتابه: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. وكان الله سميعا عليما). وأي ظلم أفدح من الظلم الذي لحق بهذه الشريحة الكريمة جدا والمبدعة إلى حد الجنون والصابرة صبر أيوب عليه السلام؟
المصدر

0 التعليقات:

إرسال تعليق