الأربعاء، 15 يناير 2014

"لمعلمين" .. هل ينتفضون ضد الظلم ..؟

برز في السنوات الاخيرة  تياران اثنان  ضمن  الطبقة المثقفة،  من  شريحة "لمعلمين"، - التي هي جزء أصيل  من مجتمع البيظان، المتعدد الاطياف و الطبقات – .

لكل منهما رؤيته حيال التعاطي مع  المظالم وحالة التهميش المتزايدة التي تعانيه هذه الشريحة.

وهو تهميش  مادي ومعنوي تعود جذوره الى ما قبل نشأة الدولة الموريتانية  الحديثة . ولا يَكْمن الإختلاف الجوهري  في الرؤى بين الفريقين حول وجود تلك المظالم وحالة التهميش ، بل هي موضع اجماع  الطرفين ، كما انهما مجمعان أيضا على ضرورة  التغيير نحو الافضل.


إنما يكمن الاختلاف بين الفريقين  في آلية التغيير ؛ إذ يرى الفريق الاول : ان الأولى هو ترك أمر هذه الشريحة لمفعول الحراك الاجتماعي (Social mobility) ، مراهنا بذلك على امكانية تغيير العقليات بسبب تطور المجتمع نتيجة للعولمة وارتفاع  مستوى التعليم وتنامي حركة التقري والتمدن، ما سيؤدي في النهاية الى الانصهار في الشريحة الأم وبالتالي اضمحلال هذه الشريحة التي هي اقرب للنقابة المهنية منها الى الشريحة في مفهومها السوسيولوجي، اذ لا يربط بين افرادها  سوى رباط الحرفة، كبقية الشرائح البيظانية الأخرى التي لا يجمع بينها سوى التخصص، وهي حالة فريدة على مستوى العالم  لا يُعرف سبب وجيه لتجذرها في المجتمع الموريتاني , اما الفريق الثاني فهو يرى ان الأولى التعامل مع الحقائق على الارض  بلا خجل او حياء ؛ معتبرا ان ما سلب من حقوق بالقوة، لا يسترد الا بقوة الحق،  وأنه لا جدوى من  سياسة النعامة، بل مواجهة  الواقع – على مرارته - بكل شجاعة  وبكل  الوسائل  السلمية الممكنة والمتاحة، في ضوء  تقاعس الدولة  عن القيام باي دور ايجابي  وتجاهل  المجتمع والنخبة المثقفة لمعانات هذه الفئة من المجتمع.

والحقيقة انه  لا بد  من  الاعتماد على الله اولا  ثم صهر كل الطاقات , واستغلال كل المنابر والصالونات والمجالس ... لتصويب الخطأ وتصحيح الصورة أولا  ، من خلال  الاحتكام الى الكتاب والسنة  المطهرة في المقام ألأول ، ثم العقل والمنطق ثانيا  ، مع المطالبة  -المستمرة والملحّة - بالمساواة لتحقيق المواطَنة التامة . و الاستفادة من جهود ومؤازرة  كل الخيرين من جميع شرائح وطبقات المجتمع الموريتاني  الأبِيِّ  من المثقفين الوطنيين ، ورجال الدين الربانيين ، ورؤساء الأحزاب ، ونواب الشعب ، هذا بالإضافة الى الأمل الكبير المعقود على :  المواقع الالكترونية الوطنية ، والمحطات الاعلامية الحرة - التي هي  قيد  الترخيص - لتجسد  نظرية الغرس الثقافي Cultivation theory. من أجل موريتانيا  متصالحة مع ذاتها قوية بتنوع  شعبها المسلم الذي يحثه دينه الحنيف على نصرة المظلوم  وانصافه ، وينهاه  عن  التنابز بالألقاب ، أو ان يحقر المسلم اخاه المسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بحسب امريء  من الشر ان يحقر اخاه المسلم " ..و قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَنيَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ . مبينا ان معيار الأفضلية  إنما يكون بالتقوى  [ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ] . فـ(من اصدق من الله حديثا) ؟.

تأتي إثارة هذا الموضوع الآن، في  سياق  ما  لوحظ  من  تجاهل  تام  لهذه  الشرحة  من طرف الرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز غداة  تخليد الذكرى  الواحدة  والخمسين  للاستقلال الوطني ،  فقد دأب رؤساء الجمهورية الاسلامية الموريتانية  كل سنة  صبيحة  يوم عيد الاستقلال الوطني  بعيد الانتهاء - مباشرة - من مراسيم رفع العلم الوطني على توشيح وبعض الشخصيات المدنية، وعلى الرغم من الرمزية البحتة لعملية التوشيح - هذه - الا انها ذات قيمة دلالية  هامة كونها تجسد ما يشبه رد الجميل للموشحين او اجدادهم لقاء  ما قدموه من تضحيات للوطن كمقاومة  الغازي المحتل ايام الاستعمار الفرنسي.

وكان بإمكان توشيحات هذه السنة ان تمر مرور الكرام  دون ان تثير فضول اي احد  كما  هو الحال في كل  سنة، لولا أنها  بدت هذه السنة بمناسبة  مرور اكثر من نصف قرن من الزمن على الاستقلال الوطني، و كأنها اشبه ما تكون بعملية توزيع ارباح نهاية السنة ، كما هو معروف في نظام الشركات المساهمة حيث ينال ‘عادة‘  كل مساهم نسبة من الارباح الموزعة  كل حسب عدد اسهمه , لكن الذي حدث هنا هو  ان عضوا اصيلا في تلك  "الشركة"  و جد نفسه  وقد تم استبعاده وتجاهله تماما ، وكأنه غير موجود اصلا في سجلات تلكم "الشركة" ... ، إن حدث أمرا كهذا معك - عزيزي القاريء - فلا بد أنك ستشعر- حتما - بالغضب الممزوج بخيبة الأمل , ولابد ان اسئلة كثيرة ستطرح نفسها عليك بإلحاح شديد من قبيل : كيف ؟! , ولماذا ؟! .

نعم. لقد جاءت توشيحات هذه السنة  شاملة  وكأنها لفتة  كريمة  من القيادة الوطنية  لكل من ساهم  قديما وحديثا في خدمة  هذا الوطن الذي مر على استقلاله الإِسميُّ احدى وخمسين سنة ,شملت تلك التوشيحات كل اطياف المجتمع الموريتاني – تقريبا - تثمينا من الدولة لإسهاماتهم  في نشأة الدولة وبنائها -كل من موقعه - وهذا امر محمود دون شك ويستحق الاشادة , والذين  شملهم التوشيح جديرون به واكثر... لكن هناك آخرون ايضا  يستحقون التوشيح,  لكن يبدو انهم  أُسقِطوا  سهوا او عمدا من قائمة الموشحين – وقد كانت لهم اسهاماتهم الواضحة   خلال حقبتي الاستعمار و ما بعد الاستعمار وحتى اليوم , انها شريحة "لمعلمين" الحاضر المغيَّب  دائما.

ألم يكن يجدر  بفخامة رئيس الجمهورية  ومستشاريه  ان يتذكروا  الصانع التقليدي الموريتانيا  الذي اسهم  بفكره وعقله وعرقه  في ملحمة التحرير ومقاومة المستعمر من  خلال مَدِّ المقاومة الوطنية بكل ما تحتاجه من اسلحة وذخيرة وسيوف وسروج ... صنعها بكلتا يده  وبوسائله المتواضعة لمواجهة المحتل الافضل تسليحا وتدريبا ؟. نعم كان يجدر بسيادة رئيس الجمهورية - باعتباره رئيسا لكل الموريتانيين و الذي لا بد انه قد حاز على عدد من اصوات هذه الطبقة  المنسية والمهمشة - كان يجدر به , وقد اسمى نفسه رئيسا للفقراء والمستضعفين , أن  يكرم  الصناعة التقليدية الموريتانية الأصيلة  التي كانت تنتج  كل شيء  ينفع الناس   بدءا باللوح والقلم , والسيف الرمح , والمدفع  والبارود , و انتهاءا  بكافة مستلزمات الحياة في المجتمع الموريتاني البدوي الرعوي ...  لكن- فخامته -  نسيهم او تناساهم عن عمد او عن غير عمد، و أشاح  بوجهه عنهم وفاء منه لسنة التجاهل والاقصاء  والتهميش  التي درج عليها جميع رؤساء  هذا البلد حين يتعلق الامر بهذه الشريحة.

ويتجسد ذلك التجاهل والإقصاء المتعمد  بشكل واضح وجلي في مقررات  وزارة  التهذيب الوطني ، حيث  درج واضعو المنهاج التربوي الوطني منذ الاستقلال وحتى اليوم على تجاهل هذه الطبقة من  المجتمع وعدم ذكر اي منجَز حضاري لها ؛ وكان من شأن خطوة كتلك, لو تمت, انصاف هذه الشريحة  من جهة , وتحسين صورتها المشوشة في ذهنية النشء  المعبأة  بكل ما هو سيء عنها من جهة اخرى.. تلكم الصورة الخرافية التي رسمها المخيال الشعبي عن هذه الشريحة في فترة الانحطاط ، واسهم الزوايا – بكل اسف -  في تكريسها بابتداع مرجعية دينية لها من أجل كبح جماح طموح هذه الشريحة التي سعت الى الجمع بين حرفتها  وتحصيل العلم  بل و النبوغ فيه عكس بقية الطبقات والشرائح الاخرى التي لم تشأ الاقتراب من ذلك المحذور الذي لم يكن الزوايا ليستسيغوه او ليقبلوا به، فهم يحتكروا لأنفسهم - وحسب - حق فهم النص الديني  وتأويلاته:  أي احتكار السلطة الدينية، بعد ان خسروا السلطة التنفيذية على ايدي بني حسان كأحد ابرز نتائج حرب شرببه.

إنك لو قلِّبت-مثلا-كتاب التاريخ لمرحلة التعليم الاساسي فلن تجد سطرا واحدا يمجد  الصانع التقليدي الموريتاني ؛ ولن تجد له ذكرا ضمن ابطال المقاومة الوطنية  . و العجيب ان احدا لم  يكلف نفسه طرح التساؤلات التالية :ما نوع اسلحة المقاومة الموريتانية غداة ظهور المستعمر الفرنسي ؟ ما مصدرها ؟  ومنْ صنعها ؟ , الكل تجنب طرح هذه التساؤلات الوجيهة  والمنهجية ، حتى لا يكون مضطرا  لذكر اية خصلة حميدة  للصانع التقليدي الموريتاني!!. والأعجب من ذلك ان جميع الحكومات الموريتانية المتعاقبة  كانت حين تتلقى  دعوة  للمشاركة في أية تظاهرة ثقافية دولية  او المشاركة في احد المعارض الدولية فإنها تهرع  , دون حياء او خجل , الى الصناعة التقليدية  الوطنية  لتحصد بها المداليات  والجوائز . كيف نفهم هذه الازدواجية .. وكيف لنا ان نفهم أن  أمة - أي أمة تحترم نفسها - تفاخر وتنافس  الآخر  بإبداعات ابنائها في وقت تحتقر هي تلك الصناعات ومن صنعها ؟!.. وثمة مفارقة اخرى نجدها  في متحفنا الوطني الذي تتصدره نماذج من الصناعة التقليدية الوطنية جنبا الى جنب مع  كتب ومخطوطات وطنية نفيسة !!. أليس هذا اعترافا  صريحا بدور هؤلاء  الثقافي والحضاري؟. لماذا  لا يترجم هذا الاعتراف – إيجابيا - على ارض واقع  هذه الشريحة ؟. وبالمقابل اذا كانت تلك الصناعات حقيرة ومن صنعها حقيرون كيف ترضى - اخي القارئ - ان  توضع في متحفك الوطني  الذي  هو ذاكرة الامة و مستودع ابداعات آبائها واجدادها عبر الزمن  .؟!

وثمة وجه آخر للإقصاء والتهميش لا يقل سوء عن  الأوجه السابقة ألا وهو حرمان ابناء هذه الشريحة من الولوج الى الوظائف السامية رغم كثرة الكفاءات وحملة الشهادات العلياء ، ولكي تتضح الصورة اكثر دعونا نطرح التساؤلات التالية:

1- منذ عهد المرحوم المختار ولد داداه وحتى اليوم  كم عدد من تسلموا حقائب وزارية  من ابناء هذه الشريحة ؟ , و كم نائبا في البرلمان من هذه الشريحة استطاع ولوج قبة البرلمان لإسماع صوت هذه الشريحة وطرح مشاكلها ؟. البعض لا يتذكر سوى الشيخ سيد احمد ولد بابه الذي أمَّن له ولد الطايع هذه الفرصة الفريدة.

اذا كانت المرأة الموريتانية التي تشكل نصف المجتمع احتاجت الى نظام  الـ "كوتا "  لضمان ولوجها البرلمان فإن [لمعلمين] هم اشد حاجة  لنظام  الـ " كوتا "  اكثر من غيرهم لتضمن لهم  حق التمثيل وإلا فإن فرص دخولهم البرلمان ستبقى صفرا لقلة حيلتهم وهوانهم على الناس. نقول ذلك ونحن على اعتاب انتخابات جديدة فهل من مجيب ؟؟؟.

2- في عهد فخامة الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز الذي دغدغ  مشاعر  الشعب الموريتاني بكافة اطيافه نتيجة لرفعه شعار:" رئيس الفقراء والمستضعفين" كم  وزيرا  من  شريحة [لمعلمين ] عيَّن  ؟ وكم  سفيرا  أو والي ولاية  او حاكم مقاطعة عيَّن محمد ولد عبد العزيز ؟ أليس هؤلاء  من الفقراء والمستضعفين يا سيادة الرئيس ؟.

إن الإعلاء من شأن مكوِّنٍ مهم له اسهامـــاته غير الخافية- في  ترا ث الامة الموريتانية وثقافتها بالإضافة  الى الدور الاقتصادي والعسكري... الذي لعبه قبل وبعد نشأة الدولة الموريتانية  الحديثة  - إن الإعلاء من شأن  هذا المكوّن  سيعتبر خطوة  مهمة  في طريق  تقوية  اللُّحمة الوطنية ‘ وتفويت الفرصة على الاعداء الساعين الى تفتيت شمل  الامة ، مستغلين  وجاهة  مطالب بعض الشرائح التي لم يعد  بإمكانها  القبول  بالعيش على الهامش ، تحت وطأة  الظلم و التمييز والإقصاء ... فالبدار، البدار قبل ان يعيل صبر هؤلاء المواطنين .. وتخبو جذوة الأمل في نفوسهم .. ويخيب املهم في دولتهم ومجتمعهم بنخبه ورجالات دينه. إنني ادعو من هذا المنبر الحر الى جعل سنة 2012 سنة  لإنصاف  هذه الشريحة  ودمجها  في الدولة  والمجتمع  من خلال برامج توعوية  ومحاضرات دينية  وخطب الجمعة و محاضرات  في الجامعات  والمدارس ...

ترى  هل  سيكون لهذه  الصرخة  من  صدى  ؟ وهل ستعيَّها أذن  واعية ؟ ام انها  ستكون مجرد صرخة  في واد ؟ .

ملاحظة: عون المقال الأصلي هو:
بعد أن تجاهلهم ولد عبد العزيز .."لمعلمين"هل ينتفضون ضد الظلم ؟


بقلم : أحمد ولد الســــــــــــــالم

0 التعليقات:

إرسال تعليق