موضوع 2

رسالة.

موضوع 3

رسالة.

موضوع 4

رسالة.

موضوع 5

رسالة.

الاثنين، 28 أبريل 2014

حراك لمعلمين يدعم مسيرة "لحراطين"

منسق الحراك أحمودي ولد الصديق
بيـــــــــــــــان :
إن من أبسط متطلبات الفرد أن يعيش في مجتمع يمنحه الكرامة ويتمتع فيه بكافة الحقوق، تلك الحقوق التي لم تكن في بلدنا على ما يرام، نظرا لما طبع تاريخه من حيف وظلم وبطر للحق وغمط للناس. وقد عانى أبناء كرام من أبناء هذا الوطن من هضم كبير وظلم شديد طال أعز ما يمتلكه الإنسان ألا وهو الحرية والكرامة والحق في العيش الكريم. وعليه يؤكد حراك لمعلمين على ما يلي:
- أكبر مصيبة ناء بها كاهل أمتنا هي تجذر القبلية وضعف لدولة الحقوق والمؤسسات وهو ما يستدعي إعادة هيكلة للدولة بشكل صحيح والعمل على رفع الظلم والحيف عن شرائح عانت لفترات طويلة، مما يستدعي تمييزا إيجابيا في حقهم، وتعتبر مكونة لحراطين ولمعلمين في مقدمة تلك الشرائح.
- إن سعي الإنسان في الحصول على حقه هو هدف نبيل ومسعى محمود فما ضاع حق وراءه مطالب، ولعل مسيرة ميثاق الحقوق السياسية والإقتصادية والإجتماعية للحراطين التي سينظمونها مساء الثلاثاء 29 ابريل الجاري من أهم التحركات الحقوقية المطالبة برفع الظلم عن الذات البشرية، لذلك يعلن "حراك لمعلمين" مساندته ومشاركته ودعمنه الكامل لهذه المسيرة الموفقة، وكل قضايا لحراطين العادلة وعلى رأس تلك القضايا قضية العبودية، ويدعوا كافة ابناء شريحة لمعلمين من اجل الحضور والمشاركة الفعالة سبيلا في إنجاح هذه المسيرة.
- لقد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته" الحديث رواه أبو داود وهو حسن، خلافا للوقوف في وجه المظلوم ومنعه من التعبير عن مظلمته الذي يعد في غاية الخطورة.
- أيها المظلوم تحرك قاوم الظلم ولا تتركه يفتك بك قبل الظالم..!! فالله تعالى ذكر كلمة الظلم في أكثر من مائتين وأربعين موضعاً ، محذرًا منه بأساليب مختلفة واشتقاقات متنوعة ، تارةً بتنـزيه الله تعالى نفسه عن هذه الصفة ، قال تعالى: " وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ "(الحج:10) ، وتارة بالأمر بالعدل مع الناس كلهم حتى مع غير المسلمين ، قال عز وجل: " إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبى .." (النحل:90)  وقال: " ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " ( المائدة:8 ) ، وأحيانا يأتي ذم الظلم بذم أهله مقروناً بمقت الله لهم ، كقوله تعالى:" وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما " ( طه:111 ) ، وقال أبو بكر رضي الله عنه عندما ولي الخلافة: "الضعيف منكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي منكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه...
انه يعمل علي حماية الضعفاء من ظلم الأقوياء، وحفظ الفقراء من جور الأغنياء ، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ) متفق عليه ثم قرأ: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد."
 عن حراك لمعلمين منسق الحراك أحمودي ولد الصديق.

الخميس، 24 أبريل 2014

لمْعلمْ / محمد السالك ولد ناجم

في قريتنا العزلاء، ذات الدّور الإسمنتية المتناثرة، جوار مبانٍ تقليدية مستطيلة الشكل، ترتكز إلى دعائم حديدية أسطوانية، محاطة في الجهات الأربع برداء عريض للتدفئة، تغطّيها أسقف هرمية الشكل من صفائح حديدية صدئة من أثر أشعة الشمس وقرْع الأمطار، لم تكن الأيام تمتاز عن بعضها البعض إلا في الأعياد والمناسبات، وماعدا ذلك تمضي الحياة عادية ورتيبة.
وذاتَ أسبوع شِتوي عاصف، تصادف أن اجتمعت في القرية، مناسبتان في اليوم نفسِه، وابتسم الحظّ للصّبيان والمتسكّعين. في الجهة الشرقية من القرية كانت دار أهل اشريفْ تزدحم بالوافدين من داخل القرية ومن القرى المجاورة،  والقادمين من المدينة التي تبعد عشرات الكيلومترات، وكان صُياح الكباش التي تجاوزت العشرة، يعلو في تتابع. وفي الجهة الشمالية كان منزل أهل امحميدات يستقبل فُرادى من رجال ونسوة القرية، وقد  ربطت عند جذع شجرة إلى الجهة الخلفية للمنزل نعجتان وخروف. وأقيمت الولائم عند الأسرتيْن، وعمّت أجواء الاحتفاء بمولوديْهما في أرجاء القرية. يومَها رأيتُ طيّبَ الذّكر اسويدات خارجا بُعيد العصر من عندِ دار أهل اشريف، يمسح يديه وفمه بطرف لثامه، ويهزّ رأسَه في عظةٍ ظاهرية:
ـ سبحان الله!.. النّاس خلقهامولان و لا ساوَاهَا
لم يكن اسويدات يفوّت أي مناسبة تحينُ في ليل أو نهار، ولم تفته في ذلك اليوم المشهود، فرصة حضور المناسبتيْن رغم تزامنهما، غير أنه أمضى ضحوة اليوم وقيلولته عند أهل اشريف، بعد أن مر في طريقه وعلى عجل بمنزل أهل امحيمدات.
وفي سائر الأيام لم تكن مجالس الشاي في القرية، تخلو من حضور اسويدات إلا في ما ندَرْ. كان اسويدات معروفا بين أهل القرية بطرافتِه وحسّه الساخر، حيث يطلق النكات متندّرا على الحاضر والغائب، ويسخر حتى من نفسه في بعض الأحيان، ولم يكن يستثني من أهل القرية في سخريته وتهكّمه أحدًا سوى أهل اشريف، الذين كان يقول إنه يخشى السخرية منهم حتى لا تصيبه صاعقة من السماء، أو تزلزلَ من تحت قدميه الأرض!..وكان يسأل في دعائه أن يُرزق بركتهم، وبَرَكةَ آبائهم وأجدادهم!
مرّت الأيام والليالي، وتوالت السنين، ونشأت صداقة في الصّبا بيني وبين الهادي ولد اشريف، ومحمد الامين ولد امحيمدات، الذي اشتهر منذ الصغر باسم آلويمين، حيث كنّا ندرس صحبة أطفال آخرينَ من القرية في محظرة المسجد، وأذكر أن جدّتي كانت دائما تُوصيني بمصاحبة الهادي واللّعب معَه، وتحذرني من آلويمينْ...كانت جدتي تكرّر على مسمعي:
ـ لا تُصاحب إلا أبناء الكرام.."لا خير في الحدّاد ولو كان عالمًا!".."العِرق دسّاس" يا ولدي!
وأذكر أنّا كنّا في فترة الطفولة نتندّرُ على آلويمين ونلمزُ في أصله، وكنّا نرميه ساخرين بصفات الجُبن، والعَجلَة، والشّره، كما كان بعضُ الصّبية يرميه بتُهمة احتراف السّرقة، ولم يكن آلويمين في الغالب يغضب من ذلك، بل كان في بعض الأحيان، يُجارينا السخرية والضحكَ من تلعثمه وكثرة أغلاطه في الكلام، وكان آلويمين إلى ذلكَ أمهرنا في ابتكار وتركيب الألعاب التي كنّا نلتقطُ أجزاءها من نفايات القرية!
أما الهادي فكان من أسرعِنا حفظًا في المحظرة، وكان كثير التحدّث بيننا، عن كرامات أجداده، وأحيانا عن كرامات شخصية يزعم أنها حدثت معه، ولم يكن له من شاهد غير تصديقنا التلقائي وتأميننا على كلامه، وكثيرا ما كان شيخنا في المحظرة، يمسح بيديه على رأس الهادي ويقبّله ويدعو له، ويقول إن سمات العلم والنباهة والصّلاح واضحة في محيّاه الصغير!
قويتْ أواصر الصداقة بين الهادي وآلويمين مع الزمن، وكان الأخير كثير التردّد على منزل أهل اشريف، من حينٍ إلى آخر، ورغم الاحترام الظاهر بين العائلتيْن الجيران، لم تكن تخفى علامات النظر باستعلاء من طرف أهل الهادي لشخص آلويمين، إلى أن حدثت واقعةٌ كانت القشّة التي قصمت ظهر البعير، فذات مساء كان آلويمين عند منزل أهل اشريف صحبة الهادي وبعض الشبّان الآخرين من القرية، وبعيد مغادرة آلويمين المنزلَ بساعات، نشب حريقٌ مُفاجئ في إحدى غُرفِه، وانهالت القصص والأقاويل، وصار أكثر أهل القرية يتحدّثون عن شؤمٍ يُرافق آلويمين أينما حلّ أو ارتحل، وجعلَ النّاس في القرية يتطيرون منه، ويتحاشون مجالستَه أو الاجتماعَ به، ورغم ذلك لم يكن الناس داخل القرية في غنى عن آلويمين لإتقانِه الأعمال اليدوية، وخبرتِه في الحدادة، التي ورثها أبًا عن جدّ.
بعد مرور عدّة سنين، غادرتُ قريتنا الصغيرة، باتجاه العاصمة نواكشوط، للتسجيل في الثانوية، وانقطعت عني أخبار القرية، سوى ما يجلبه بعض الوافدين من الأهل إلى نواكشوط، حيث علمتُ أن آلويمينْ غادرَ القرية بعد وفاة والديْه إلى العاصمة، حيث افتتحَ محلاّ للصناعة التقليدية، أمّا الهادي فقد ذاعَ صيتُه بين النّاس، حيث صارَ وجيها، ذا نفوذ تقليدي واسع، ويحظى بمكانة خاصة في أوساط مريديه.
وبعد حصولي على الباكلوريا، سافرتُ إلى فرنسا لاستكمال الدراسة، والتخصص في مجال الطبّ، وانقطعت عنّي بشكل تام، أخبار القرية وأهلها، وبينما كنتُ أحضرّ للعودة مؤقتا إلى أرض الوطن، تلقّيتُ اتصالا مُفاجئا من الهادي ولد اشريف، يُخبرني فيه بأن والدتَه زينب، أصيبت بفشل كلوي حاد، وبنيتهم السفر إلى فرنسا لإجراء عملية جراحية لها، حيث طلبَ منس مساعدتهم في استكمال إجراءات السفر إلى باريس، والتحضير لإجراءات العلاج. وبعد قدوم عائلة أهل اشريف إلى فرنسا لعلاج الوالدة، شرعنا في الإجراءات الطبّية، حيث أراد الهادي التبرّع لها بإحدى كليتيْه لإنقاذ حياتِها، وبعد خضوع الهادي للفحوصات الأولية، استدعاني الطبيب المشرف على الفحوصات بوصفي الناطق الوحيد بالفرنسية بين المعنيين بالأمر، وعند اللقاء بالطبيب الفرنسي، أنبأني بنبإ وقعَ عليّ وقوع الصاعقة، وحاولْتُ في البداية تفاديه وعدمَ تصديقِه، حتى أطلعني الطبيب على الكشوفات الطبّية التي أثبتتْ يقينًا أنّ الهادي لا تربطه أية صلةِ قُرْبَى ب"أمّه" زينب!
وتردّدتُ في إخبار الهادي وعائلته بالأمر، متعلّلا لهم بادئ الأمر بتأخر ظهور نتائج الفحوصات، غير أنّ تدهور الوضع الصحي لزينب، وحاجتَها الملحّة إلى متبرّع بكلية في أسرع وقت، لم يدع أمامي متّسعًا للصّمت والتردّد، ممّا اضطرّني لإخبار أفراد العائلة مجتمعينَ بالحقيقة، حيث كانت صدمتُهم عند سماع الخبر بالغة وعنيفة، وبعد تراجع آثار الصّدمة وتقبّل الأمر الواقع، شرعنا في التحرّي بفهم ما جرى، ليُخبرنا والد العائلة، أنه في ليلة ميلاد الهادي، لم يدخل نقطة التوليد، نزيلٌ عدا عائلتيْ اشريف، وامحيمدات؛ حيث تزامن ميلاد كلّ من الهادي وآلويمينْ في نفس الليلة بفارق ساعات قليلة، وكانت العائلتان في نفس الغرفة، وشهدت الليلة هبوب رياح عاصفة، وهطول أمطار غزيرة، ممّا تسبّبَ في انقطاع التيار الكهربائي عن النقطة الصحية عدّة مرّات، ممّا يرجّح حدوث تبادل لمولوديْ العائلتيْن عن طريق الخطأ، وكان لا بدّ من إجراء فحوصات طبية لآلويمينْ للتحقّق من هذه الفرضية!
وبعد إجرائي اتصالات هاتفية ببعض المعارف في نواكشوط، فوجئتُ بأحدهم يُخبرني أن آلويمين موجودٌ في العاصمة الفرنسية باريس، في إطار تنظيم معرض للصناعات التقليدية الموريتانية، ولم أستغرق كثير وقتٍ للحصول على عنوانه، حيث اتصلتُ به، وأخبرتُه القصّة، وشرحتُ له الظرف الصحيّ الحرج لزينب، وبعد إفاقته من صدمة الواقعة، وغثر الكثير من التردّد والجدال، قبلَ آلويمين إجراء الفحوصات اللاّزمة لقطع الشكّ باليقين، حيث أثبتت الفحوصات بشكل قاطع أن آلويمين هو الابن الحقيقي لشريف وزينب!
وعقب قبول آلويمين التبرّع بإحدى كليتيه لوالدتِه، وبعد استكمال عملية زرع الكلية بنجاح، غادر الجميعُ إلى أرض الوطن...آلويمين بجُرحٍ في جهته اليُسرى، وبكلية واحدة، والباقون بجراحٍ أُخرى أعمقَ غورًا، غيّرت نظرتهم للنّاس والأشياء. ليستأنفَ كلٌّ دورَه الذي رسمتْه له الأقدار في تراجيديا الحياة!.

الثلاثاء، 22 أبريل 2014

المواطنة هى الحل

سيد أحمد ولد محمد،
مدون و عضو جمعية
 موريتانيون متحدون من أجل العدالة و المساواة
إن أكبر مشكلة عانت منها موريتانيا هي انشغال نخبها ومفكريها بمشاكل العالم و إعطاءها أولوية على مشاكلنا الداخلية. التى كان ممكننا استقراءها من خلال التركيبة الإجتماعية و الوضعية الإقتصادية للبلاد أنذاك. فكم دموع ذرفت و كم من مداد سكب و كم من قوافي نظمت من أجل تخليد مواقف دولية، عربية كانت أو إفريقية. لقد تغنى الموريتانيون فى فلسطين و نعوا درياسين و بكوا جمال عبد الناصر و غاندى و تشاي جيفارى و توجعوا لحال نلسن ما ندلا و حديثا أبنوه. طبعا لست ضد أن يتقاسم الموريتانيون أوجاع أمتيهم العربية و الإفريقية و لا أن ينخرطوا فى ما بات يعرف بالعولمة حتى قبل بدايتها الحقيقية، ما أنا ضده هو أن نعطى أولية لمشاكل الغير و ننسى أن نأسس لمقومات بلدنا الذى يتميز بتركيبة إجتماعية تخفى الكثير من بذور الانشقاق و الفتن التى كان يجب وأدها قبل أن تنغرس جذورها فى هذه الأرض الطيبة.
إن أكبر إنجاز كان يمكن القيام به فى زمن دولة الإستقلال هو تعريف المواطنة وتعزيزها لخلق وطن موريتاني يكون فيه الفرد شخصية اعتبارية لها حقوق و عليها واجبات وفقا للنظريات الدستورية و السياسية المعاصرة. فكما هو معروف، المجتمع الموريتاني يتميز بوجود مجموعتين طاغيتين، المجموعة الحسانية بكل مكوناتها و المجموعة الإفريقية بطوائفها الثلاثة. و تتلاقى هاتان المجموعتان فى تبنى التركيبة التراتبية المغلقة، القائمة على دور الفرد فى المجتمع، كنظام اجتماعي، مما يتنافى مع قيم المواطنة وقيم الديمقراطية التى تضمن للفرد الوصول لأعلى السلم، إما بقدراته الذاتية أو عن طريق الانتخاب، بدل الحظوة الموروثة أو الدونية الأزلية.
إن تقاعس الدولة أنذاك عن لعب دورها فى ترسيخ المواطنة، أدى الى ترسيخ الحمية القبلية حتى أصبحت القبائل كيانات موازية للدولة فى نواح عديدة.

أما فى عهد موريتانيا الجديدة (2008-2014)، فقد انشغل القائمون على السلطة تحت إكراهات التنمية و احتراما لتعهداتهم، انشغلوا فى عملية البناء و الإعمار فى مجالات شتى كما وفرت السلطات فسحة من حرية التعبير مكنت من سماع أصوات المهمشين. و فى مجال مكافحة الرق و آثاره، فقد اتبعت السلطات القائمة نهج أسلافها فى تقديم الحلول الدستورية بالإضافة لمحاربة الآثار و الرواسب المتعلقة بالعبودية. إن نهج مكافحة الآثار و الرواسب مرحب به طبعا لكنه لن يكون كافيا دون اللجوء لمحاربة الأبعاد النفسية و الفلسفية المؤثرة على الانتماء للمجتمع، حسب المنهج التحليلي السليم، المبنى على أحدث المقاربات، مما يتطلب جرأة فى القرار و صرامة فى التنفيذ، عودنا عليها القائمون على الشأن العام فى الوقت الحالي. و يبقى التذكير واجبا بأن الاستثمار فى تنمية بلد يغيب فيه مفهوم المواطنة حتى لدى بعض النخب، يشبه الى حد كبير بناء قصور من رمال على شاطئ بحر هائج.

إن المقدمة أعلاه تقودني لطرح سؤال جوهري عن ماهية المواطنة و عن الأسباب التى أوصلتنا لحالة الشرخ فى وحدتنا الوطنية. لقد اعتمدت فى مقاربتي هذه على عدة بحوث و تقارير تعتبر مرجعا فى هذا المجال، لمناقشة عناوين ثلاث، هى:
• المواطنة
• أسباب الصراع
• الحلول

أولاً: المواطنة
يحتل مفهوم المواطنة موقعاً مركزياً في الفكر القانوني والدستوري المعاصر إذ إن الفكر السياسي الحديث يعتمد في البناء القانوني للوطن على هذا المفهوم ويحدد له جملة من الإجراءات والاعتبارات. لذلك فإننا نعتقد أن تطوير واقعنا السياسي والقانوني اليوم، مرهون إلى حد بعيد على قدرتنا على المستويين النظري والعملي لبلورة هذا المفهوم كحقوق وواجبات في الفضاء الاجتماعي والوطني.
إنه من نافلة القول فى هذا الإطار: إن الوطن الموريتاني لا يمكن أن يتعافى من أزماته الإجتماعية و تنافر أطيافه إلا بإعادة الاعتبار لمفهوم المواطنة و تجسيده فى كل السياسات و الممارسات و العمل على خلق فضاء وطني جديد طابعه الأساسي هو المواطنة بصرف النظر عن جميع المنابت الأخرى، جهوية كانت أو عرقية أو فئوية. إذ أن التنوع الموريتاني لا يمكن أن يتعاش بإيجابية و استمرارية فى ظل الوطن الواحد، إلا بمواطنة حقيقية، تسمح لكل بممارسة حقه و تلزمه واجبه دون مواربة. فالمواطنة بكل ما تحتضن من متطلبات وآليات هي حجر الأساس في مشروع البناء الوطني الجديد.
أن الكثير من الأزمات والتوترات فى بلادنا، هي المحصلة النهائية لتغييب مفهوم المواطنة والإعلاء من شأن عناوين خاصة على حساب الإطار الوطني العام. إن النهج الذي غيّب أو ألغى المواطنة لصالح القبيلة أو الجهة أو حتى الانتماء السياسى، هو -عبره وعبر متوالياته وتأثيراته- الذي فاقم التوترات وزاد من الاحتقان الإجتماعي وأفضى إلى خلق كيانات اجتماعية معزولة عن بعضها البعض، لا يجمعها إلا الاسم والعنوان العام.
ثانيا: أسباب الصراع
إن الصراع داخل المجموعات فى الوطن الموريتاني، خصوصا الحسانية منها، أصبح باديا للعيان أكثر من أي وقت مضى حتى و لو حاول البعض تجاهله أو ربطه بأسباب خارج السياق. فبعد ظهور حراك لحراطين فى بداية الثمانينات من القرن الماضى و الذي كانت جريمة العبودية هى المحرك الظاهري له، ظهرت حركة إيرا و التى ترجع هى أسباب حراكها لنفس الظاهرة المشينة. إن ظهور هاتين الحركتين رغم تباين نهجيهما و خطابهما كان بداية التصدع فى جسم المجتمع الحساني الموريتاني.
عند ظهور حركة الحر لجأت الدولة للحل الأمني الذي يعتبر أسهل الحلول، فسجنت المناضلين و بعدها أفرجت عنهم و عادت لتجرب الحل القانوني و حرمت العبودية. و هنا نلاحظ أن الحل القانوني لم يكن كافيا لأن القضية تتعلق بغياب المواطنة، و التى تحتل مركزا أساسيا فى الفكر الدستوري و القانوني الموريتاني الذي يكرس مبدأ المساواة فى أكثر من فقرة ولم يشرع أبدا العبودية. إذن كان التشخيص خاطئا و العلاج بطبيعة الحال خاطئ بالتبعية. إن الدليل على ما قلته هو ظهور حركة إيرا بنهجها الذي أثار لغطا شديدا حول العبودية و كذلك ظهور حراك لمعلمين أيضا. إن ظهور هاتين الحركتين يبهرن على أن تهلهل النسيج الموريتاني لا تعود جذوره لأسباب قانونية أو دستورية، إذ منذ بداية حركة الحر توالت القوانين المحرمة تارة و المجرمة تارة أخرى للرق و لم يتغير الكثير، بل أصبح الأمر أكثر تعقيدا بعد ظهور حراك لمعلمين، فهل نخلق لهم قانونا يجرم ما يعانون منه؟
إن الفهم الصحيح لما يعانيه المجتمع الحساني الموريتاني يتطلب الغوص فى بعض المفاهيم المرتبطة بتعريف المواطنة، كالانتماء مثلا. فالمجتمع الموريتاني التقليدي ينتمي أفراده الى القبيلة، بغض النظر عن ترتيبهم الإجتماعي و بعد ظهور الدولة فقدت القبائل جزءا من بريقها و لم تعد توفر أسباب الانتماء إلا للقليل من أفرادها، أي شيوخ القبائل و أبنائهم لذلك توجه العامة (أسفل السلم الإجتماعي) إليها )الدولة (باحثين فى حضنها عن دفئ يعوضهم عن حنان القبيلة لكن بدى أن ذلك الحضن لا يتسع للجميع و من هنا بدأ ما يعرف بضعف الانتماء للمجتمع.
الانتماء مفهوم نفسي، اجتماعي، فلسفي و هو نتاج العملية الجدلية التبادلية بين الفرد والمجتمع أو الجماعة التي يفضلها المنتمي. جماعة الانتماء، هى التي يتوحد معها الفرد ويستخدمها معياراً لتقدير ذاته، ومصدراً لتقويم أهدافه الشخصية، هذه الجماعة فى حالتنا يمثلها الشعب الموريتاني.
يتأثر الانتماء للجماعة بالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة، ولذلك فإن أنماط السلوك التي يصعب تفسيرها أو تبريرها أحياناً ما تكون نتيجة لفشل الفرد في الشعور بالانتماء وإحساسه بالعزلة عن الجماعة أو لرفض الجماعة له بسبب الاحتقار أو التهميش أو المساس بحقوقه الأساسية. إذا فكل إنكار للمجتمع على الفرد إشباع حاجاته المتعلقة بمجتمعه، فإنه ا)لفرد( قد يتخذ موقفاً سلبياً إن لم يكن أحياناً عدائياً للمجتمع ،إذ قد يلجأ إلى مصادر بديلة ، يوجه إليها اهتمامه وانتماءه ، وقد تكون مصادر غير مرغوب فيها أحياناً ، ولها عواقبها السيئة على كل من الفرد والمجتمع .
إن مثل هذه الأمور تجلت بوضوح فى مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة، فمن الدعوة للانفصال الى المطالبة بهوية خاصة الى غير ذلك من أحداث خطيرة.
ثالثا: الحلول
إن الخطوة الأولى في مشروع الحل والإصلاح هي تأسيس العلاقة بين مكونات المجتمع والدولة على أسس وطنية تتجاوز كل الأطر والعناوين الضيقة. بحيث يكون الجامع العام لكل المكونات والتعبيرات والأطياف هو المواطنة. التي لا تعني فقط جملة الحقوق والمكاسب الوطنية المتوخاة، وإنما تعني أيضاً جملة الواجبات والمسؤوليات العامة الملقاة على عاتق كل مواطن.
وهذا بطبيعة الحال لا يعني أن تكون رابطة المواطنة رابطة قسرية ـ قهرية، وإنما هي رابطة طوعية ـ اختيارية قائمة على الاختيار الحر والتعايش السلمي بين جميع المكونات والتعبيرات. وتأخذ هذه الرابطة فعاليتها وقدسيتها من طبيعة العقد الوطني والمضامين السياسية والثقافية التي يتضمنها ويحتضنها.
فإطار المواطنة في المنظور الحضاري، يقوم على مفهوم الجماعات الحرة والمتوافقة والمتعايشة بالتراضي والوئام والشراكة. والتجارب السياسية في العديد من الدول، أثبتت أن دحر الخصوصيات الذاتية أو الجماعات الفرعية لصالح الإطار العام، لا يفضي إلى وحدة ومواطنة سليمة، بل تدفع محاولات الإقصاء والدحر إلى تشبث كل جماعة بذاتها وخصوصياتها وتنعزل نفسياً وشعورياً وثقافياً عن الجماعات الأخرى.
لذلك فإننا نعتقد أن خلق مفهوم المواطنة الجامع والحاضن لكل الجماعات والتعبيرات، لا يتأتى بإفناء الخصوصيات الثقافية أو إقصائها وتهميشها، وإنما عبر توفير النظام القانوني والمناخ الاجتماعي ـ الثقافي الذي يسمح لكل التعبيرات والحقائق الثقافية بالمشاركة في إثراء الوطن والمواطنة. وهذا لا يعني التشريع للفوضى أو الميوعة تجاه الجوامع المشتركة.
وإنما يعني وبعمق أن الالتزام بالجوامع والمشتركات الوطنية ومقتضياتها، لا يتأتى إلا بالحرية والعدالة ومتوالياتها التي تنعكس في السياق الوطني ومستوى التزام الجميع بالوحدة والاندماج الوطني.
إن تحقيق هذه الالتزامات فى بلدنا لن يتأتى دون مراجعة شاملة لمناهج التعليم المتبع عندنا و سواء فى ذلك الديني منه أو المدني. (......). أما فيما يخص التعليم العام، فإنه يحتاج مراجعة شاملة للمناهج المتعلقة بالوحدة الوطنية كمواد التاريخ التى يجب أن تعاد صيغتها لتظهر حياة الشعب الموريتاني و جذوره و انتماء كل أطيافه لهذه الأرض بغض النظر عن أصولهم. كما يجب إعادة الاعتبار لدور مختلف فئات الشعب فى الحياة العامة و تثمينه و ذلك للتخلص من النظرة الدونية.
أما فيما يخص المواطنة، فيجب تشجيع كل ما من شأنه تعزيزها كالحد من نفوذ القبيلة و اعتبار معايير الكفاءة و الريادة أساسا للولوج للوظائف العامة. كما يجب السير قدما فى نهج الدمقراطية المبنية على الانتخاب الحر على أساس الكفاءة و النزاهة مما يعلب دورا إيجابيا فى تعزيز القدرات الشخصية للأفراد فى إطار مجتمعي تنافسي.
إن التوصيات السابقة، إن هي طبقت، ستكون كفيلة بخلق أجيال من الموريتانين المؤمنين بثقافة المواطنة الفخورين باختلافاتهم و المستعدين استعداد المقتنع بالحياة فى ظل دولة قوية و موحدة.
Sidmd2002@yahoo.fr

الأربعاء، 2 أبريل 2014

" لمعلمين " الإحساس ببطر الحق وغمط الناس

عنوان كتاب صدر حديثا، يسعى لتسليط الضوء على تهافت الافتراءات والأكاذيب والأساطير التي نسجت حول فئة "لمعلمين" التي عانت من هذا الظلم الخرافي المغلف بغلاف الدين.
يعرض الكتاب لأهمية الذب عن العرض والتحذير من خطورة التعرض لأعراض المسلمين، ويستعرض الأكاذيب المطلقة كـ"أحاديث" و"أنظام" على غرار الأنظام الفقهية، ألفت قديما للتقليل من أهلية القوم وعدم اعتماد شهادتهم وعدم جواز الصلاة خلفهم... إلى غير ذلك من المسائل النمطية التي انطبعت في الذاكرة الجمعية ضد هذه الفئة.
مؤلف الكتاب هو محمد غالي بن محمد المختار بن سيدي القربوزي. وتقديم كل من الشيخ حمنين الطالب ابراهيم والشيخ سيدي محمد دبن أحمد فال القلاوي الشنقيطي مع ملحق للشريف الصالحي: الحسن بن الشيخ سليمان سماه: "القول الحسن فيما ألحقه النسَّابةُ الحسن".